يوجد في منطقة القرن الأفريقي 18 قاعدة عسكرية، وهو عدد يكاد يكون الأكبر في العالم في منطقة على شكل قرن محصورة في جيبوتي والصومال وإريتريا.
كل هذا الكم من القواعد العسكرية والمطارات الحربية والقوات البحرية والغواصات النووية وطائرات الدرون، إضافة إلى عشرات الآلاف من القوات المدربة والقطع الحربية والفرقاطات وقوات المهام، تتمركز في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب.
في جيبوتي فقط هناك 9 قواعد عسكرية عاملة، 6 قواعد منها للولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، والصين، واليابان، وإيطاليا، وإسبانيا، إضافة إلى 3 قواعد فرنسية، بينها قاعدة بحرية، ومطاران.
وفي الصومال هناك 6 قواعد عسكرية، اثنتان منها للإمارات في مدينة “بوصاصو”، وقاعدة بربرة في إقليم “أرض الصومال”، إضافة إلى قاعدة تركية في مقديشو، وقاعدة “باليدوغل” الجوية الأمريكية في محافظة شبيلي السفلى، والقاعدة البريطانية في منطقة “بيدوا”، وقاعدة قطرية وميناء يتم إنشاؤها الآن في مدينة “هوبيو”.
وفي إريتريا توجد 3 قواعد عسكرية، إحداها إسرائيلية في ميناء مصوع، وقاعدة عسكرية إماراتية، في مدينة عصب، وقاعدة عسكرية سعودية على الساحل الإريتري، توجد فيها قوات سعودية ومصرية، حلت محل قاعدة إيرانية غادرت العام 2016، بعد اتفاق السعودية مع جيبوتي لإنشاء قاعدة عسكرية سعودية فيها، للعمل كمركز دعم لقواتها البحرية الموجودة في خليج عدن، وفي البحر الأحمر، لتكون نقطة انطلاق لقطع الإمدادات الإيرانية للحوثيين التي كانت تأتي من هناك.
كل هذه القواعد وتلك القوات تؤكد على حيوية المنطقة التي تتوسد على باب المندب، أحد أهم الممرات المائية في العالم.
لقد أصبحت منطقة القرن الأفريقي ذات الموقع الجيواستراتيجي، أشبه بثكنة عسكرية تضم قوات من أكثر من 50 دولة بالعالم، منها 25 دولة ضمن القوات البحرية المشتركة متعددة الجنسيات (150-CTF)، بالإضافة إلى سفن القوة البحرية الأوروبية والقوة البحرية الفرنسية، والقواعد العسكرية البرية والجوية والبحرية التي تنتشر في 18 قاعدة عسكرية في جيبوتي والصومال وإريتريا.
الصراع على باب المندب يزداد مع معلومات عن مخزون كبير من النفط والغاز والمعادن في البحر الأحمر وخليج عدن.
إن طول أمد الصراع في هذه المنطقة سببه الأول التدخلات الخارجية وتغذيتها للصراعات البينية، وتشجيع عدم الاستقرار، حتى أصبح موقعها الاستراتيجي نقمة عليها ومدعاة للفقر والمجاعة والحروب وضعف التنمية والهجرة.
لقد زادت الحيوية والحضور الدولي بكثافة في هذه المنطقة بعد أحداث الـ11 من سبتمبر، وإعلان الحرب الدولية على الإرهاب، واستكمل هذا الحضور تموضعه، وأخذ راحته الكاملة تحت عنوان مكافحة القرصنة.
حققت الدول الكبرى تحت عناوين مكافحة الإرهاب والقرصنة، كل ما كانت تخطط له من تواجد في هذه المنطقة، وفوق هذا فرضت رسوماً باهظة مقابل قيامها بذلك، ورفعت شركاتها رسوم التأمين على ناقلات النفط أضعافاً، وغدت منها تدار العمليات الحربية والهيمنة على المنطقة التي أصبح الحديث فيها عن السيادة أشبه بحديث الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، عن استعادة الدولة.
واللافت أن حضور مصر مازال متواضعاً في باب المندب، رغم أهمية ذلك لأمنها القومي، أو لنقل الحضور العربي عموماً، باستثناء الإمارات التي يبدو حضورها في منطقة القرن الأفريقي لافتاً، وأكبر من بلدان لها عقود وكانت تستعمر هذه البلدان.
تمثل القاعدة العسكرية الإماراتية في عصب، أهمية بالغة في الموقع والتجهيزات، حيث تشير المعلومات إلى احتوائها على ملاجئ طائرات، وميناء لاستقبال سفن ضخمة، ومطار.
ويمثل الحضور الإسرائيلي دبلوماسياً واستخباراتياً، علامة فارقة في جيبوتي التي تقول معلومات إن لديها 105 كادراً دبلوماسياً وأمنياً في سفارتها بأسمرة، وهو عدد كبير مقارنة بالبلدان الأخرى.
بعد إغلاق مضيق باب المندب أثناء حرب الـ6 من أكتوبر 1973، تعلمت إسرائيل الدرس، وأصبحت ضمن الدول المؤثرة في القرن الأفريقي.
إن هذا الصراع الإقليمي والدولي على باب المندب، جعل الدول التي تقع بمحاذاته تدفع ثمن الموقع من أمنها واستقرارها وحياة أبنائها فقراً ومجاعة، بعد أن أضحت مسرحاً لهذا الصراع.
استقرار المنطقة مرهون برضا اللاعبين الدوليين. متى يكون ذلك؟ وكيف؟ ربما نحتاج لعقود حتى تجري في البحر أحداث وتغيرات تتصالح فيه حيرة التاريخ وقدرية الجغرافيا.
يتبع …