وقود يشعل روح التعاون مقابل وقود يشعل الأسعار في مناطق انهيارات اقتصادية. مبادرة ” على طريقك” معالجة طوعية تمتد من جنوب غربي اليمن إلى جنوبي لبنان.
يتشابه اليمن ولبنان في تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي، وتغول الفساد، في وقت تبدو النخب الحاكمة في البلدين قد انصرفت إلى الاهتمام بمصالحها الخاصة، فالاحتجاجات الشعبية الغاضبة التي شهدتها مدن يمنية ولبنانية، قابلتها السلطات بلامبالاة، ما دفع يمنيين ولبنانيين إلى البحث عن حلول بديلة لمواجهة مشاكلهم.
هكذا تبدو حملة “على طريقك” اليمنية، ومبادرة “وصلني ع طريقك” اللبنانية، اللتان شهدتهما مدينتا تعز اليمنية وصيدا اللبنانية، شتاء 2021، نموذجًا لمحاولة المجتمع البحث عن حلول عملية بدلًا من انتظار “ غودو” الأنظمة العربية الذي لن يأتي أبدًا.
يشرح الصحفي اليمني نائف الوافي، والناشط الاجتماعي اللبناني وائل قصب، الظروف التي دفعتهما إلى إطلاق مبادرتين متشابهتين من دون اتفاق مسبق بينهما. فصعوبة توفير تكاليف أجور مواصلات لنقل أطفالهما إلى المدارس، كانت دافع التفكير بمبادرتيهما، حسبما يؤكدان في حديثين منفصلين مع “يمن سايت”.
ما المشكلة؟
تمثلت المشكلة التي واجهها الوافي وقصب، ومعهما ملايين اليمنيين واللبنانيين، في ارتفاع أسعار الوقود إلى أكثر من 130% في اليمن، وإلى 30 ألف ليرة للتر الواحد في لبنان، تزامن ذلك مع انهيار قيمة الريال اليمني والليرة اللبنانية إلى مستويات غير مسبوقة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى أكثر من 200%.
أكثر الفئات تضررًا من تلك الأزمة، طلاب المدارس والجامعات، ففي اليمن بلغ متوسط الإنفاق اليومي للطالب الجامعي على المواصلات 1000 ريال داخل مدينة تعز، وما بين 3000 و4000 ريال للطلاب القاطنين في مناطق ريفية، مثل المسراخ والمعافر والمواسط، بزيادة تراوحت بين 10000 و40000 ريال على الراتب الشهري غير المنتظم من الأساس، الذي يجنيه الآباء الموظفون.
يقول لـ”يمن سايت” الطالب في كلية الآداب بجامعة تعز، عدي أحمد: “الحملة خففت عني مبلغ 1000 ريال كنت أدفعها يوميًا للوصول إلى كلية الآداب بجامعة تعز (شرقي المدينة)، بعدما ارتفعت أجور المواصلات الداخلية، بسبب ارتفاع أسعار الوقود”.
ويضيف: “الحملة سرعان ما توسعت، إذ لم تنحصر فائدتها على الطلبة وحدهم، فقد شاهدت أصحاب السيارات يبادرون بنقل أي شخص يقف على رصيف الخط المار“.
وهو ما أكدته صور ومقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، شاركها طلاب مع سائقين وملاك سيارات، للتعبير عن بهجتهم بتلك الاستجابة، كما تفاعل مع المبادرة مصممون ورسامون ومنشدون، ما ساعد على انتشارها وانتقالها إلى محافظات يمنية أخرى.
يقول لـ”يمن سايت”، منصور عباس، الساكن في محافظة المهرة (أقصى شرقي اليمن)، إنه أسهم مع مالكي سيارات كثر في إيصال طلبة المدارس كل من الحي الذي يسكنه، “كما عملنا على تحفيز الأصدقاء والآخرين، عبر التواصل الفردي وشبكة السوشيال ميديا”.
وفقًا لعباس، تعد المهرة من أكثر المحافظات اليمنية حاجة لهذا النوع من الحلول، كونها تحوي فقط ثلاث مدارس ثانوية، ما يجعل الطلبة يقطعون مسافات طويلة وسط حر شديد، فيما تضطر بعض الأسر إلى نقل أبنائها عبر سيارات أجرة، بكلفة تبلغ ما بين ألفين وثلاثة آلاف ريال للمشوار الواحد، وذلك بخلاف المحافظات الأخرى التي يتنقل الطلبة خلالها عبر حافلات ركاب أو ميني باص، ما يتسبب في مضاعفة الأعباء الاقتصادية على أسر الطلاب.
وترى أستاذة علم الاجتماع بجامعة تعز، الدكتورة انتصار الصلوي، أن المبادرة كانت “ناجحة وذات مدلول إيجابي ينم عن مدى قدرة أفراد المجتمع على إيجاد حلول لبعض المشكلات الاجتماعية من خلال العمل معًا على قضية معينة واضحة”.
وتقول الصلوي لـ”يمن سايت”: “المبادرة جاءت للتخفيف من العبء على الطلاب والطالبات وأسرهم جراء المبالغ الكبيرة التي تصرف على التنقلات من وإلى الجامعة، مضافة إلى رسوم التسجيل ومستلزمات الدراسة وغيرها”.
حصان طروادة
في صيف 2014 قررت الحكومة اليمنية، بتوصية من صندوق النقد الدولي، رفع أسعار البنزين من 100 ريال للتر الواحد إلى 150 ريالًا، وهي الزيادة التي استخدمتها قوى سياسية وعسكرية لتنفيذ ما بات يُسمى انقلاب 21 سبتمبر 2014.
ولئن تراجعت الحكومة حينها عن هذه الزيادة، إلا أن قوى الانقلاب استمرت في السيطرة على مؤسسات الدولة بالقوة، ماتسبب في إشعال حرب أهلية هي الأسوأ.
ومع تدخل عسكري خارجي بقيادة السعودية والإمارات، ربيع 2015، وبروز الولاءات الخارجية للأحزاب اليمنية، انهارت مؤسسات الدولة الهشة أصلًا، وتحول البلد الأفقر والأقل استقرارًا إلى كانتونات محكومة بمليشيات حزبية تتصارع نيابة عن قوى إقليمية ودولية.
ومن 100 ريال للتر عام 2014، تصاعدت أسعار الوقود، لتصل نهاية العام الماضي إلى 1200 ريال للتر الواحد. فيما انخفضت قيمة الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية من 250 ريالًا عام 2014، إلى 1700 ريال للدولار الواحد في عام 2021، قبل أن تتراجع إلى حوالي 1260 في فبراير الجاري.
وبرغم الإشادة بحملة على طريقك وغيرها من المبادرات المجتمعية، إلا أنها تبقى محدودة وغير قادرة على حل المشاكل الاقتصادية المزمنة التي يعانيها اليمنيون جراء اندلاع الحرب الأهلية على خلفية انقلاب 21 سبتمبر 2014.
يعد التعليم من أبرز القطاعات تضررًا جراء الانهيار الاقتصادي. فخلال العام الأكاديمي 2022/2023 مثلًا انخفض معدل التحاق الطلاب في جامعة تعز إلى أكثر من 40%، حسبما يؤكد لـ”يمن سايت” القائم بأعمال رئيس جامعة تعز الدكتور رياض العقاب، مرجعًا ذلك إلى آثار الحرب على حياة الأسر اليمنية وأبنائها الطلبة، ما أثر سلبًا أيضًا على مسار العملية التعليمية، حسب تعبيره.
ولم تنجُ حملة “على طريقك” اليمنية من انتقادات وجهت إليها، أبرزها أنها “تبرر للسلطات الرسمية تقاعسها تجاه ارتفاع أسعار المشتقات النفطية”، فيما وصفتها أصوات أخرى بأنها “تشتيت للمجتمع عن قضاياه الرئيسة كإنهاء الحرب وتوفير الخدمات”.
وذهب البعض الى القول بأن غرض الحملة “جرف الأموال”، والبحث عن الشهرة. فيما زعم آخرون أن الحملة قد تفتح بابًا للتحرش بالطالبات، وهو “طرح في غير محله”، تقول لـ”يمن سايت” إحدى المشاركات في الحملة، وتدعى سمر الدبعي، مشيرة إلى تطوع فتيات ممن يمتلكن سيارات، بإيصال الطالبات دعمًا لاستمرار المبادرة، وحلًا لمخاوف المعارضين.
وعلى الرغم من مضي أكثر من 30 عامًا على توقف الحرب الأهلية اللبنانية، التي تبدو الحرب اليمنية نسخة مصغرة منها، إلا أن الاقتصاد اللبناني مازال إلى انهيار. وخلال الشهر الجاري تجاوزت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي عتبة الـ56 ألف ليرة للدولار. فيما وصل سعر لتر البنزين 71 ألف ليرة.
وفي وقت تشهد المنطقة عودة للديكتاتورية بصورة أكثر وحشية مما كانت عليه قبل الربيع العربي، تبدو مبادرة “على طريقك” أشبه بقشة تتشبث بها مجتمعات غارقة في مستنقع انهيارات اقتصادية وسياسية، إلا أن الصلوي ترى في هذا النوع من المبادرات “فرصة يمكن تحويلها إلى ثقافة مجتمعية تعزز قيمة التعاون بين أفراد ومكونات المجتمع”.تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي ضمن تدريب على صحافة الحلول
تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي ضمن تدريب على صحافة الحلول