- هرب من الحرب التي تشهدها بلاده على خلفية انقلاب مسلح مس جوهر النظام الجمهوري اليمني، فكرمته الجمهورية الفرنسية بأعلى وسام. ذاك هو الروائي اليمني، علي المقري، الذي شق طريقه الى العالمية بعصامية وشغف المجذوب الى الكتابة وبالكتابة فقط.
بدءاً من مجموعته الشعرية الأولى “نافذة للجسد” (1987)، الى روايته الخامسة “بلاد القائد” (2019)، مروراً بكتابه “الخمر والنبيذ في الإسلام” (2007)، تنوعت تجربة الكاتب علي المقري الذي منحته فرنسا أخيراً وسام الفنون والآداب بدرجة فارس.
والوسام “تحية من فرنسا والثقافة الفرنسية لمنجزي الأدبي الذي ترجم منه ثلاثة روايات الى الفرنسية”؛ يقول المقري لـ”يمن سايت”، متمنياً “أن تكون هناك الكثير من الأوسمة والجوائز في العالم العربي، وأن تكون هذه المؤسسات أكثر حرية في مكافأة الكتاب والكتابات التي لا تنساق مع السائد والمألوف”.
عندما أصدر روايته الأولى “طعم أسود.. رائحة سوداء”، عن دار الساقي في بيروت، 2008، فاجأ المقري الوسط الثقافي اليمني والعربي، فمن خلال هذه الرواية التي أخرجته من رحم الشعر الى فضاءات السرد، نحت المقري هويته الخاصة كسارد يمتلك أدوات الرواية، ويقود دفتها.
في تلك الرواية، كما في رواياته اللاحقة: “اليهودي الحالي”، “حُرمة”، “بخور عدني”، و”بلاد القائد”، بدا المقري كأنه يقطع مع تاريخ السرد اليمني سالكاً طريقاً طالما رسمته خيالات طموحاته.
لحظة وصوله باريس، نهاية عام 2015، ليستقر فيها، ويحصل لاحقاً -عبر عمدتها، آنا هيدالجو- على بطاقة المواطنة الفخرية، كان المقري مهموماً بالمآل الذي آلت إليه ثورات الربيع العربي.
هكذا جاءت رواية “بلاد القائد” توثيقاً فنياً لـ”جمهورية عراسوبيا العظمى”، رمز الدولة العربية القامعة لشعبها، المقموعة بقائد ثورتها الذي يتصرف كإله مطلق الاستبداد.
يتكئ المقري، الذي لم يتلقَّ تعليماً عالياً، على موهبة فذة غذتها قراءاته النهمة والمتجددة. ظهر ذلك جلياً في اختيار موضوعاته، وفي استخدامه لغة شعرية مشبعة بالإيماء والتكثيف.
في “طعم أسود.. رائحة سوداء” التي حصلت عام 2015 على تنويه جائزة الإبداع الأدبي بتوقيع جاك لانج، رئيس معهد العالم العربي بباريس، يطرق المقري قضية المهمشين من ذوي البشرة السوداء، المعروفين شعبياً باسم الأخدام.
وفي رواية “اليهودي الحالي” ناقش الإقصاء والاضطهاد التاريخي لأتباع الطائفة اليهودية في اليمن، أتى ذلك من زاوية جديدة تتمثل بإمكانية التعايش بين المسلمين واليهود، من خلال قصة حب تجمع بين المسلمة فاطمة وسالم اليهودي اللذين وإن كسرا التقاليد المجتمعية والدينية، إلا أن زواجهما ينتهي بمأساة.
واستمراراً لمحاولة التصدي للتابوهات، جاءت رواية “حرمة” لتسلط الضوء على ما يعتمل داخل المجتمع المكبوت من تناقضات، خصوصاً لجهة التهميش التاريخي للمرأة، وطفرة التدين الزائف بشقيه السياسي والشعبي.
ولئن خرج المقري من عباءة الثقافة الماركسية، إلا أن أعماله الروائية تبدو متخففة من الأيديولوجيا، بل ناقدة للممارسات الشمولية، بخلاف كتاب يمنيين كبار انخرطوا في ركب الانقلاب على الديمقراطية.
تكريم فرنسا للمقري لقي صدى واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. ففي هذا البلد الذي يتعرض مواطنوه لحرب تجويع وقمع مستمرة منذ 7 سنوات، صار الاحتفاء بشخصية يمنية بمثابة انتصار رمزي للوطن المنكوب بأحزابه المتصارعة على السلطة والمرتهنة لأطراف خارجية.
في عامي 2009 و2010، تم اختيار “طعم أسود رائحة سوداء” و”اليهودي الحالي” ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية). وفي 2015 اختيرت رواية “بخور عدني” ضمن القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2015.
إخفاق المقري في الوصول الى البوكر العربية سيظهر كثيمة في رواية “بلاد القائد”، من خلال الشخصية الرئيسية، وهو روائي كاد أن يفوز بـ”جائزة شهرزاد للرواية العربية”، لو لم يعترض عضو اللجنة الناقد “جهاد مصل”، مهدداً إدارة الجائزة بالاستقالة، وفضحها بأنها كرمت رواية “تشيد بالاستعمار”.
والمقري من مواليد 30 أغسطس 1966، في قرية حُمرة غرب مدينة تعز. قبل أن يغدو محرراً ثقافياً وكاتباً معروفاً، عمل المقري موظفاً حكومياً. وتعرض بسبب كتاباته لحملات تكفير قادها متشددون إسلاميون.
ولم يعلن رسمياً عن موعد تقليد المقري الوسام الذي تأسس في مايو 1957، ويتكون من ثلاث مراتب (درجة فارس، درجة ضابط، ودرجة قائد)، ويمنح لكتاب وفنانين من داخل فرنسا وخارجها؛ تقديراً لإبداعاتهم الفنية والأدبية. ويتيح بروتوكول الوسام للفائز حق اختيار الشخصية التي ستتولى تقليده الوسام.
ويعد المقري ثاني يمني تكرمه فرنسا بهذا الوسام، بعد المخرجة السينمائية والكاتبة اليمنية خديجة السلامي، التي حازت على الوسام ذاته عام 2011، كما سبق أن كرمها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، في 2007، بوسام جوقة الشرف بدرجة ضابط.
يعيش المقري حاليا في باريس وله أكثر من عشرة كتب، وقد تُرجمت رواياته إلى الإيطالية والفرنسية والإنجليزية والكردية والفارسية. كما أُختير المقري لعضوية لجنة التحكيم لجائزة البوكر العربية في دورتها للعام 2021.